الأحد، 4 نوفمبر 2018

صيام من قبلنا



صيام من قبلنا

هذه بعض وقفات على صيام من قبلنا من اليهود والنصارى التي أخبرنا الله عنها في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "إذا سمعت الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فارع لها سمعك؛ فإنها خير تُؤمر به أو شر تنهى عنه" وروي عن جعفر الصادق - رضي الله عنه - أنه قال: "لذة (يا) في النداء تزيل تعب العبادة والعناء".

1- كان أهل الكتاب يصومون اليوم العاشر من شهر محرم الموافق لليوم العاشر من شهر أكتوبر (تشرين الثاني) فلما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وجدهم يصومونه فسألهم عن ذلك، فقالوا: هذا يوم نجَّى الله فيه موسى وقومه من فرعون فنحن نصومه شكراً لله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه" وأمره يقتضي الوجوب فكان صيام عاشوراء واجباً حتى نُسخ بنزول آية البقرة الموجبة لصيام شهر رمضان فصار صيامه سنةً ندب إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمَّتَه قبل موته بأيام حيث قال: "إذا كان العام المقبل - إن شاء الله - صمنا اليوم التاسع" فلم يأت العام المقبل حتى توفي - صلى الله عليه وسلم -.

2- وكان اليهود يصومون يومي الخميس والإثنين؛ اعتقاداً منهم بأنَّ موسى - عليه السلام - صعد جبل سيناء يوم الخميس ونزل منه يوم الإثنين، فنحن وإن وافقناهم في صيام هذين اليومين فقد خالفناهم بالسبب والعلة أما السبب فتشريع صيامهما من نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وأما العلة فقد ذكرت في الحديث "فهما يومان تُفتح فيهما أبواب السماء وتعرض الأعمال على الرب" فنحب أن تعرض عليه أعمالنا ونحن صيام، ثم إنَّ قول اليهود إنَّ موسى صعد الجبل ونزل دعوى باطلة بدليل قوله - تعالى -: (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى) والوادي غير الجبل، ثم كيف يأمره الله بصعود الجبل وهو يعلم - سبحانه - أنه سيندك، قال - تعالى -: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ).

3- وكان أهل الكتاب يبحثون عن أفضل يوم من أيام الأسبوع ليتفرغوا فيه للعبادة فلم يهتدوا إليه وبعد جهد جهيد اتخذ اليهود يوم السبت معللين ذلك بأن الله استراح فيه - تعالى الله عن ذلك - بعد خلق السموات والأرض، واتخذت النصارى يوم الأحد، وقد هدى الله أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك اليوم وهو يوم الجمعة كما جاء في الحديث الصحيح: "أضل الله من كان قبلنا فكان لليهود السبت وللنصارى الأحد وهدانا الله ليوم الجمعة فنحن الآخرون الأولون يوم القيامة" وهذا اليوم (الجمعة) يوم خلق الله فيه آدم، وأسجد له الملائكة، وأهبطه إلى الأرض، وفيه ساعة لا يوافقها عبد قائم يدعو إلا غفر له، وفيه تقوم الساعة...

4- وكان أهل الكتاب يواصلون الصيام إلى منتصف الليل أو قريباً منه فلا يفطرون حتى تشتبك النجوم في السماء وربما واصلوا الليل مع النهار، فجاء شرعنا باليسر وذلك بالمبادرة والإسراع بالإفطار وتأخير السحور، والنهي عن الوصال ففي الحديث الصحيح "ما زال الناس بخير ما عجَّلوا الإفطار وأخروا السحور" و "فصل ما بيننا وبين أهل الكتاب أكلة السحر".

5- كانوا يعتقدون أنَّ الشياطين تدخل في عصاة بني آدم ولا تخرج منهم إلا بالصوم، وهذا غير صحيح فإن الشياطين تتلبس بالإنس سواء كانوا عصاة أو مطيعين ولا يمكن أن يقصر دخول الجن بالإنس على المعصية فضلاً أن يخرج بالطاعة، وإنما يضيق الشيطان بالطاعة ويتمادى ويفرح بالمعصية، والصيام من أعظم الطاعات التي يضيّق بها عليه، قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا عليه بالصيام".

تحريف أهل الكتاب للصيام:

عندما فرض الله عليهم الصيام ثلاثين يوماً وصادف حراً شديداً تضايقوا منه فاجتمع علماؤهم ورؤساؤهم فجعلوه في فصل الربيع بين الشتاء والصيف وهذا هو النسيء الذي حرَّمه الله في القرآن ثم إنهم زادوا فيه عشرة أيام كفارة لضيقهم فصار الصيام عندهم أربعين يوماً، ثم إن ملكاً من ملوكهم اشتكى مرضاً نزل به فنذر لله إن برأ من وجعه أن يزيد في صومه أسبوعاً فبرأ فصار يصومها أي (47) يوماً، فلما توفي أمر الملك الذي جاء بعده بصيام ثلاثة أيام فصارت أيام الصيام (50) يوماً موزعة على أشهر السنة.

كيف يصوم اليهود والنصارى اليوم:

عند اليهود: نوعان من الصيام:

الأول: صوم إجباري (جماعي) أربعة أيام حسب الأحوال يحددها الرهبان والرؤساء:

- صيام يوم للتكفير عن الخطية العامة المعروف بـ: (يوم الغفران).

- يصام يوم قبل أن يدخل الجيش في حرب مع العدو.

- يصام يوم إذا مات الملك أو الرئيس.

- يصام يوم لتوقي كارثة متوقعة تحصل للناس.

والثاني: صوم اختياري (فردي) طلباً للتوبة حيناً وتجنباً للسوء والضرر حيناً آخر.

أما الصيام عند النصارى: فأيامه تختلف باختلاف الكنائس (الكاثولوكية - البروتستانتية - الأرثوثكسية) وباختلاف الأجيال والطبائع والبلاد.

يتفق النصارى في كل كنائسهم على صيام يوم واحد يسمونه (عيد المسيح) يصومونه قبل حلول (عيد الفصح) الذي يحتفلون به قبل نهاية السنة الميلادية لعيسى - عليه السلام كما يزعمون - بخمسة أيام - أي يوم 25 ديسمبر من كل عام - وهو عندهم أهم من عيد الميلاد نفسه.

وتختلف هذه الكنائس بصيام أيام أخرى كصوم يوم واحد لكل عيد من أعيادهم: كعيد الصليب والرسل والعذراء والفِطاس والأربعين يوماً حولت عند بعضهم إلى أربعين ساعة فقط.

عن أي شيء يمتنعون أثناء صيامهم؟

يمتنعون عن الأكل والشرب والجماع من منتصف الليل حتى الظهر هذا للشيوخ المسنين والضعفاء أما القادرون فيلزمهم الإمساك إلى قبل غروب الشمس بساعة واحدة، وهذا الامتناع إنما يكون فقط عن أكل اللحم وما ينتج من الحيوان مما لونه أبيض كبياض البيض والزبدة واللبن وما عدا ذلك يجوز طبخه وأكله بشرط ألا يطبخ إلا بزيت نباتي.

وفي صوم يوم الميلاد: يجوز فيه أكل السمك وأنواع الفاكهة لا غير.

ومن الملاحظ في الصيام عند المتدينين من اليهود والنصارى في العصور المتأخرة شدة الاختلاف والنزاع بينهم فاليهود يحرمون صوم يوم الأحد ويفضلون صوم يوم السبت والنصارى بخلافهم يفضلون صوم يوم الأحد ويحرمون صوم يوم السبت كما كان اليهود في السابق يصومون يومي الإثنين والخميس فخالفهم النصارى ونقلوا صيام هذين اليومين إلى يومي الأربعاء والجمعة، وما كان هذا النزاع ليقع بينهم لو لم يتبعوا الهوى ويحرفوا الكلم عن مواضعه وصدق الله العظيم: (وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) وقال: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ).

وكلمة (لعل) في آية البقرة (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) بمعنى لام التعليل، أي فرض عليكم صيام رمضان لتتقوا الله فيما أمركم به أو نهاكم عنه ومن ذلك أحكام الصيام.

أو هي تفيد الترجي والتوقع وذلك بالنسبة للعبد أما الله - سبحانه - فهو منزه عن ذلك كله والمعنى: كتب الله عليكم الصيام كما كتبه على من سبقكم رجاء أن تتقوا ربكم فتعبدونه بما شرع لكم.

والتقوى هي أن يجعل العبد بينه وبين ما يكره وقاية وحاجز، وقد قربها عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بتمثيل حسي فذات يوم دخل هو وعبدالله بن مسعود في مخاضة (وحل) من الأرض فشمر عن ثوبه واعتمد على إحدى رجليه ورفع الأخرى وقال: التقوى هكذا فاحذر أن يدفعك أحد فتنزلق.

فظهر أن التقوى في الآية دوام مراقبة الله بالبعد عن معاصيه والعمل بما يرضيه واجتناب تحريفات اليهود وتأويلات النصارى ومن والاهم في أحكام الصيام وغيرها.

اللهم ثبتنا على القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، آمين.
















0 comments: