ما جاء في أمزجة الجسد:
قال عبد الملك بن حبيب: سمعت بعض المدنيين من أهل العلم بطب العرب والمعرفة بالداء والدواء يقول: الجسد أربعة أنواع: الرأس: الربع الأول وملاكه الدماغ وهو رباط الجسد،
فإذا كمل الدماغ كان الرجل زينا في مجلسه ذا تؤدة في أمره، والدماغ حار كالنار، والنخاع بارد كالثلج. فلولا برد النخاع أحرق الدماغ الجسد ولولا حرارة الدماغ أفسد النخاع الجسد ببرده. والصدر: الربع الثاني وملاكه القلب وهو بين رئتي الجسد يبردهما. والبطن: الربع الثالث إلى المثانة وملاكه الكبد وهو مدبرة وطابخة الطعام في المعدة، ثم تصفيه في الكبد فيأخذ صفوه فيصير دما فتصبه الكبد في القلب والقلب في العروق، ويدفع ما لم يصف إلى الأمعاء منه ثم إلى المخرج. والكبد حارة كالنار والمرارة اللاصقة بها باردة كالثلج، فلولا برد المرارة أحرقت الكبد الجسد. ولولا حرارة الكبد أفسدت المرارة الجسد ببردها، ولولا الكبد لم ينضج الطعام في البطن. والمثانة وما تحتها إلى أسفل: الربع الرابع وملاك ذلك الربع الكليتان، هما مدبرتان وهما حارتان كالنار، والمثانة باردة كالثلج. فلولا برد المثانة أحرقت الكليتان الجسد ولولا حرارة الكليتين أفسدت المثانة ربعها ببردها. وكل ذلك بتقدير العزيز العليم..مزاج الإنسان:
قال عبد الملك بن حبيب: وسمعت بعض المدنيين من أهل العلم بطب العرب والمعرفة بالداء والدواء يقول: الداء أربعة أمزجة، والسنة أربعة، والإنسان أربعة أمزجة، فأمزجة الداء الأربعة: الدم، والبلغم، والمرة الحمراء، والمرة السوداء. وأمزجة السنة: الشتاء، والربيع، والصيف، والخريف. فمزاج الشتاء البلغم، ومزاج الربيع الدم، ومزاج الصيف المرة الحمراء، ومزاج الخريف المرة السوداء. واعلم أن الخام من البلغم وهو أصله فما كان تحت الصدر إلى القدم فالخام، ومن الصدر إلى الرأس فبلغم. والبواسير من الخام. والدم، والمرة الصفراء هي من الحمراء. وأمزجة الإنسان الأربعة أن الإنسان يكون غلاما سبع عشرة سنة، وشابا سبع عشرة، وكهلا سبع عشرة، وشيخا إلى آخر عمره. فمزاج الغلام الدم وهو حار ذو ابتلال، أخوف السنة عليه الربيع لأن فيه سلطان مزاجه، وكذلك الربيع حار ذو ابتلال فإن تثور عليه غير الدم فهو آمن عليه. ومزاج الشاب المرة الحمراء ومزاجه حار يابس، أخوف السنة عليه الصيف لأن فيه سلطان مزاجه، وكذلك الصيف حار يابس فإن تثور عليه غير المرة الحمراء فهو آمن عليه. ومزاج الكهل المرة السوداء ومزاجه بارد يابس، أخوف السنة عليه الخريف لأن فيه سلطان مزاجه وكذلك الخريف بارد يابس، فإن تثور عليه المرة السوداء فهو آمن عليه. ومزاج الشيخ الخام والبلغم ومزاجهما بارد ذو ابتلال، أخوف السنة عليه الشتاء لأن فيه سلطان مزاجه، وكذلك الشتاء بارد ذو ابتلال، فإن تثور عليه غير الخام والبلغم فهو كان آمن عليه.
واعلم أن منزل الدم الكبد إلى العروق إلى القلب، والقلب حار ذو ابتلال، وكذلك العروق والكبد. ومنزلة المرة الحمراء المرارة، والمرارة حارة يابسة. ومنزلة المرة السوداء الطحال، بارد يابس، ومنزل البلغم الرئة ومعدنه الرأس منه مهبطه إلى الصدر إلى الرئة، والرئة باردة ذات ابتلال. ومنزل الخام المفاصل. ومنزل الريح الأمعاء. قال عبد الملك عن وهب بن منبه: لما خلق الله آدم ثم جعل في جسده تسعة أبواب: سبعة في رأسه واثنين في جسده، وجعل عقله في دماغه، وسره في كليتيه، وغضبه ورحمته في كبده، وندامته في قلبه، ورغبته ونفسه في رئته، وضحكه في طحاله، وفرحه وحزنه في وجهه، والمرحة في صدره، وشهوته في فرجه، وذريته في صلبه، وقوته في منيه. وجعل له عشرة أصابع في يديه قوة ليديه، وعشرة أصابع في رجليه قوة لرجليه، وجعل له بابين منهما يسمع قلبه، وبابين يبصر بهما قلبه وهما نور جسده، وجعل له بابا يعيش جسده منه، وجعل له فيه لسانا يبين كلامه وحنكا يجيد به طعم كل شيء، ومنخرين يجد بهما ريح كل شيء، وجعل له بابين منهما يخرج منه ثقل طعامه وشرابه. وجعل فيه ثلاث مائة وستين مفصلا وثلاث مائة وستين عظما، وثلاث مائة وستين عرقا ساكنا وثلاث مائة وستين عرقا نافضا، فلو سكن عرق النافضة ما نفعه عيش فلو نفض عرق من الساكنة ما نفعه عيش. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الحلق للصوت، واللسان للحروف، والقلب للعقل، والكبد للحزن، والكليتان للرأي والمكر، والرئة للنفس، والقلب والطحال للضحك. قال عبد الملك: أصل العقل القلب ومحله الدماغ. وقال عمر رضي الله عنه: جوارح الجسد أعوان القلب والقلب ملكها.
فالرجلان يدان، واليدان جناحان، والعينان مرتادتان، واللسان ترجمان، والأذنان تعيتان، والكليتان مدبرتان، والطحال للضحك والفرح، والكبد للحزن والغضب والرحمة، والرئة للنفس، والدماغ للعقل، والأنثيان للنسل، والصدر للهم، والأنف للشم، والشفتان للذوق، والقلب ملك ذلك كله، فإذا طاب الملك طابت جنوده وإذا خبث الملك خبث جنوده. فقال له عبد الله بن سلام وكعب الأحبار: والله يا أمير المؤمنين إنه لهكذا عندنا في ما قرأنا من الكتب. وعن ابن عباس أنه قال: إن الله سبحانه خلق آدم من طينة عذبة ومالحة، فلو كانت عذبة ليست بمالحة لم يحزن أبدا، ولم يغضب أبدا ولم يسأ أبدا ولم يجهل أبدا، ولو كانت مالحة ليست معها عذبة لم يفرح أبدا، ولم يضحك أبدا، ولم يرض أبدا، ولم يحسن أبدا، ولم يحلم أبدا. ولكنه خلقه من طين عذبة ومالحة فما كان من رضى، أو فرح، أو إحسان، أو حلم فمن العذبة، وما كان من حزن، أو بكاء، أو إساءة، أو جهل فهو من المالحة. وعن وهب بن منبه أنه قال: لما خلق الله آدم ركب جسده من أربعة أشياء من اليبوسة، والرطوبة، والحرارة، والبرودة، وذلك لأنه خلقه من تراب وماء، ثم جعل فيه نفسا وروحا. فيبوسته من قبل التراب، ورطوبته من قبل الماء، وحرارته من قبل النفس، وبرودته من قبل الروح. ثم خلق الله فيه من بعد هذا الخلق أربعة أمزجة، هي قوام جسده وملاكه لا يقوم جسده إلا بها، ولا يقوم مزاج أحد منها إلا بأقرانه. وهي: الدم، والبلغم، والمرة الحمراء، والمرة السوداء. ثم أسكن بعض هذا الخلق في بعض، فجعل مسكن اليبوسة في المرة السوداء، ومسكن الحرارة في المرة الحمراء، ومسكن الرطوبة في الدم، ومسكن البرودة في البلغم. فأيما جسدا اعتدلت فيه هذه الأمزجة الأربعة التي جعلها الله قوام جسده. فصار كل مزاج منها ربعا لا يزيد ولا ينقص. كملت صحته واعتدلت فطرته وكان سائر جسده وغرائزه مستوية. فإن زاد مزاج منها عن ربعه غلبته الأمزجة الثلاثة وقهرته ودخل عليه السقم بقدر نقصانه وعجزه عن مقارنتها. فينبغي للطبيب العالم بالداء والدواء أن يعلم من أين سقم الجسد بزيادة المزاج أو من نقصانه ويعلم الدواء الذي يعالج به، فينقص منه إن كان زايدا ويزيد فيه إن كان ناقصا حتى يقيمه على فطرته. قال: وجعل الله هذا الخلق الذي وصفنا عنه بناء أخلاق بني آدم في طبائعهم التي بها تعرف أفعالهم. فمن اليبوسة العزم، ومن الرطوبة اللين، ومن الحرارة الحدة، ومن البرودة الأناة. فإن ملك به اليبوسة كان عزمه قساوة، وإن مالت به الرطوبة كان لينه مهانة، وإن مالت به الحرارة كانت حدته سفها وطيشا، وإن مالت به البرودة كانت أناته بلادة ورثيا. فإن هذه الأشياء الأربعة من اليبوسة، والحرارة، والبرودة، والرطوبة زاد أو نقص، دخل عليه العيب من ناحيته. فإذا اعتدلت فيه استقامت فطرته وحسنت غريزته حين دهر بعضها بعضا ولم يعل شيئا منها أقرانه، ومعروفه، وتوسعه، وسهولته، وترسله، ولعبه، وضحكه، وجزعه، وبطالته. ومن الروح حلمه، ووقاره، وعفافه، وحياؤه وفهمه، وتقاه، وتكرمه، وصدقه، ورفقه، وصبره. وبالروح يسمع الإنسان، ويبصر، ويأكل، ويشرب، ويقوم، ويقعد، ويفرح، ويضحك، ويبكي، ويحزن. وبالروح يعرف الإنسان الحق من الباطل، والرشد من الغي، والصواب من الخطأ، وبه علم، ويعلم، ويتعلم، ويعفو، ويدبر، ويحذر، ويعزم، ويستحي، ويتكرم، فالحليم يتعاهد أخلاقه وينظر فيها. فإذا خاف أن يغلب عليه بعض أخلاق يبوسة التراب، ألزم كل خلق منها خلقا من أخلاق الماء يمزجه به. وإذا خاف أن يغلب عليه بعض أخلاق النفس، ألزم كل خلق منها خلقا من أخلاق الروح بعده. وقد يقال: ليس من أحد إلا وفيه من كل طبيعة سوء غريزة، وإنما التفاضل بين الناس في مغالبة الطبائع. فإما أن يسلم أحد من أن يكون فيه منها فلا، إلا أن الرجل القوي الحليم يغلبها بإذن الله. بالقمع لها كلما تطلعت أن يبيتها حتى كأنما ليست فيه، ولعلها فيه كامنة ولن ينال ذلك إلا بعون الله. ومن يخذله الله يهلك وأنفع ما يلزم الإنسان من التداوي بالأدوية إذا سلم من الأدواء لا يحمل عليه من المأكول والمشروب إلا خفاء. واعلم أن الدم حلو ذو ابتلال فإذا تثور فعالجه باليابس البارد الحامض. والمرة الحمراء حارة يابسة عللة، فإذا تثوت فعالجها بالبارد الندي الحلو. والمرة السوداء باردة يابسة حامضة، فإذا تثورت فعالجها بالسخن الندي الحلو. والبلغم بارد رطب مالح فإذا تثور فعالجه بالحار اليابس الحلو.
.الأزمنة وما يصلح فيها:
قال عبد الملك: وسمعتهم يقولون: السنة أربعة أزمنة ولها أربعة أمزجة: صيف، وخريف، وشتاء، وربيع. فالشتاء ثلاثة أشهر: دجنبر وينير وفبراير، وهو بارد رطب ومزاجه البلغم والخام وهما باردان رطبان يؤمر فيها باجتناب أكل اللحم البقري، والكراث والسلق. ويستحب فيه شرب الماء الفاتر على الريق، وأكل الدجاج، والحمص، والودك الكثير، والكرنب، وأكل الزنجبيل، والفلفل، والصناب، وأكل الثوم بالعسل، وكل حار وشربه. واجتناب البارد من الطعام ويستحب فيه تعاهد الجماع والحمامات والاصطلاء وتعريق الجسد وغمره لأن العروق والعصب تقسح فيه وتبرد. ويكره فيه كثرة الاغتسال والتصبح والنوم كله بالنهار، وينهى فيه عن شرب الماء بالليل بعد النوم فإن منه يكون ضيق النفس. ويستحب فيه استخراج الخام والبلغم ومضغ المخاضع ولزوم الغراغر بالصناب، والرب ولزوم القيء بالبكر بأكل الفجل، والخردل، والجرجير، والثفاء، وكل شيء حار، ثم يشرب عليه العسل فلبث قليلا ثم يتقيأ على إثره. والربيع ثلاثة أشهر وهي: مارص، وإبريل وميه. وهو حار رطب يؤمر فيه باجتناب أكل الثوم، والكراث، والبصل، والفجل، والسلق، والكرنب، وكل بقلة قديمة، أو عروق يكون تحت الأرض من أجل الداء الذي يكون فليها وهو في عروقها إلى فروعها، ومن أكلها تثور عليه الدم والبلغم وأخذه في حنجره مثل الذبحة. وينهى عن أكل الرءوس والأكارع ورءوس الحيتان وأذنابها من أجل الندى يسقط على العشب فتأكل منها البهائم فيحري في رءوسها وأرجلها. فمن أكل الرءوس والأكارع ومن الحيتان الرءوس والأذناب في هذا الجزء علق ذلك في رأسه وأصابته منه غشاوة في بصره. ويؤمر فيه بإقلال من الجماع وذلك أنه يهيج ويتقي فيه كثرة شرب الماء، ويستحب فيه أكل الحلاوة وشربها على الريق وأكل بالعسل وبغير العسل، والنبق وأكل السماق وشربه وكل شيء فيه حموضة، وكل يابس بارد لأن الدم حار رطب. ويستحب فيه أكل القطف، والقرع، والرجلة، والملوخيا. ويؤمر فيه بالاستمشاء، والاحتقان، والاحتجام، والاطلاء، وقطع العروق لمن اضطر إلى قطعها، ومن بقي فإنه ربما بقي فيه على من فيه فضل دم وآبد على الطبيعة لأنه زمانه وسلطانه وتثوره. ومن علاج تثوره أن يشرب من الإهليلج مثقالا ومن التربد مثقالين فإنه يمشي بعد الحرارة التي يتثور منه الدم.
والصيف ثلاثة أشهر: ينيه ويليه وغشت وهو حار يابس، مزاجه المرة الحمراء وهي حارة يابسة، يؤمر فيه باجتناب أكل الرءوس والأكارع ورءوس الحيتان وأذنابها كما وصفنا في الجزء الذي قبله وينهى فيه عن أكل الملوخيا، والفجل، والكرنب، والأطعمة السخنة، وكل حار مثل الفلفل، والصناب، والزيت، والمالح كله فإن المالح والحار يهيجان العطش فتثور منه المرة والمرض، ويؤمن فيه بالإقلال من الجماع من أجل تثور الدم فيه من شدة الحر، وينهى عن دخول الحمام، وعن السفر لشدة الحر، وعن الجلوس في الشمس، وقرب النار. ويستحب فيه من الأطعمة كل بارد رطب مثل البطيخ، والخوخ، والقطف، والقثاء، والرجلة، وكل بارد. وشرب الماء البارد على الريق ويكثر فيه من شرب الماء البارد على كل حال، وأن يتعاهد فيه الحقن الملينة المسهلة والمشي الذي يسيل ويحرك الخام لأن فيه يؤجع الماء إلى أصله ويلوى العود. ويؤمر فيه بشرب كل ما يفطر المرة من الروب رب العصير ورب الأترج ورب السفرجل وأشبه ذلك، ويكثر فيه من أكل الحلاوة والحموضة وكل شيء يلطف حارة المرة وأوجاعها. والخريف ثلاثة أشهر: شتنبر واكتبر ونوبنبر، وهو بارد يابس، مزاجه المرة السوداء وهي باردة يابسة، ينهى فيها عن أكل المملوح، وعن أكل الملوخيا، وعن أكل الكرنب حتى يصيبه الأمطار.
ويؤمر فيه بأكل الكراث نيا ومطبوخا، وبشرب اللبن وأكل التين، والتفاح، والحموضة كلها وينهى فيه عن دخول الحمام.
0 comments: