تاخر النوم مرض المتلازمة
يعاني المراهقون من اضطرابات في تأخر ميعاد نومهم الأمر الذي يتسبب لهم في قدر كبير من الأرق والتعب، حيث يفضلون السهر ليلا حتى ساعات متأخرة ويجدون بعد ذلك صعوبة في الاستيقاظ في الصباح، مما يسبب لهم العديد من المشكلات في تحصيلهم العلمي، أو في عملهم إن كانوا يعملون، حيث تعرف هذه الحالة باسم Delayed Sleep Phase Syndrome وتكون بسبب الاضطراب في الساعة البيولوجية للجسم.
ما هو النوم؟
النوم ليس فقداناً للوعي أو غيبوبة وإنما حالة خاصة يمر بها الإنسان، وتتم خلالها أنشطة معينة، فعندما يكون الإنسان مستيقظاً فإن المخ يكون لديه نشاط كهربائي معين، ومع حلول النوم يبدأ هذا النشاط بالتغير.. ودراسة النوم تساعدنا على تحديد ذلك تحديداً دقيقاً.
فالنائم يمر خلال نومه بعدة مراحل لكل منها دورها، فهناك المرحلة الأولى والثانية، ويكون النوم خلالهما خفيفاً ويبدآن مع بداية النوم.. بعد ذلك تبدأ المرحلة الثالثة والرابعة، أو ما يعرف بالنوم العميق، وهاتان المرحلتان مهمتان لاستعادة الجسم نشاطه، ونقص هاتين المرحلتين من النوم ينتج عنه النوم الخفيف غير المريح والتعب والإجهاد خلال النهار، وبعد حوالي التسعين دقيقة تبدأ مرحلة الأحلام أو ما يعرف بمرحلة حركة العينين السريعة، وتحدث الأحلام خلال هذه المرحلة، وهذه المرحلة مهمة لاستعادة الذهن نشاطه، والمرور بجميع مراحل النوم يعرف بدورة نوم كاملة.
وخلال نوم الإنسان الطبيعي (6-8 ساعات) يمر الإنسان بحوالي 4-6 دورات نوم كاملة.
هل يتغير النوم مع تقدم السن؟
مع نمو الأطفال فإن نومهم يتغير تدريجياً ولكن ما إن يصل المرء إلى مرحلة البلوغ (حوالي العشرين عاماً من العمر) فإن عدد ساعات النوم التي يحتاجها الجسم لا تتغير مع تقدم العمر، ولكن في المقابل فإن طبيعة وجودة النوم تتغير كلماً تقدم بنا العمر.
فعند كبار السن يصبح النوم خفيفاً وأقل فعالية وأقل راحة، ذلك كله بالرغم من عدم تغير ساعات النوم، والسبب في ذلك يعود إلى أن نسبة كل مرحلة من مراحل النوم السابقة تتغير مع تقدم السن.
فعندما يبلغ الرجل حوالي سن 50 سنة والسيدة حوالي 60 سنة، فإن نسبة النوم العميق (مرحلة 3-4) تكون قد وصلت عادة إلى نسبة بسيطة جداً من وقت النوم، وعند البعض قد تختفي تماماً، فتجد الأشخاص في هذا السن أسرع استيقاظاً نتيجة للضوضاء الخارجية مقارنة بصغار السن، فبالرغم من عدم التغيير الكبير في عدد ساعات النوم مع تقدم السن إلا أن طبيعة النوم تختلف، فيصبح النوم خفيفاً ومتقطعاً طوال الليل، وهذا أحد أسباب النعاس خلال النهار الذي يصيب الكثير من كبار السن.
ما هي الساعة البيولوجية؟
كل إنسان لديه ما يعرف بالساعة الحيوية التي تنظم وقت النوم ووقت الشعور بالجوع والتغيرات في مستوى الهرمونات ودرجة الحرارة في الجسم.
وتعرف التغيرات الحيوية والنفسية التي تتبع دورة الساعة الحيوية في 24 ساعة بالإيقاع اليومي، ففي الطفولة وقبل وصول مرحلة المراهقة تقود الساعة البيولوجية الأطفال للنوم في الساعة من 8 إلى 9 مساء ولكن مع دخول سن البلوغ ودخول مرحلة المراهقة تتغير هذه العملية عند البعض فلا يشعرون بالنوم حتى الساعة الـ11 مساء أو بعد ذلك.
كما أن رغبة البعض في البقاء مستيقظًا ليلا للمذاكرة أو لمجرد السهر مع الأقارب والأصدقاء يزيد المشكلة أو يسبب ظهورها بشكل واضح، ويمكن بشكل آخر تعريف الساعة الحيوية بأنها قدرة الجسم على التحول من النوم في ساعات معينة (عادة بالليل) إلى الاستيقاظ والنشاط في ساعات أخرى (عادة وقت النهار)، وتتحكم عدة عوامل خارجية أهمها الضوء والضجيج في المحافظة على انضباط الإيقاع اليومي للجسم أو ساعاته البيولوجية، ويصاحب ذلك تغير في عدد كبير من وظائف الجسم التي قد تكون أنشط بالنهار منها بالليل ويزداد إفراز هرمون النوم (الميلاتونين) بالليل ويقل بالنهار، ولكن عند المصابين بهذا الاضطراب تنعكس الآية، فالتعرض للضوء يخفض مستوى هرمون النوم في الدم؛ حيث إن هرمون النوم يفرز من الغدة الصنوبرية في المخ وهي مرتبطة بعصب النظر لذلك فالتعرض للضوء الشديد ينقص إفراز الهرمون.
تأثيرات المشكلة:
وقد أظهرت الأبحاث أن الشباب في سن المراهقة يحتاجون لنحو 9 ساعات من النوم يوميًا للمحافظة على درجة جيدة من التركيز والاستيقاظ، ولكن الواقع مختلف تمامًا؛ حيث أظهر مسح أجري في أمريكا أن أكثر من ربع المراهقين في الواقع ينامون ما معدله 6.5 ساعة يوميًا حيث يعتبر المراهقون أن المذاكرة أو قضاء وقت مع الأصدقاء أو اللعب على ألعاب الفيديو حتى ساعات متأخرة أهم من النوم المبكر.
وما سبق يسبب نقصًا حادًا في النوم، وفي حال استمرار المشكلة يتحول نقص النوم إلى مزمن مما ينعكس على المراهق بشكل سيئ؛ حيث إن نقص النوم يسبب نقص التركيز ومن ثم التحصيل العلمي، ويسبب كذلك تعكر المزاج والاضطرابات السلوكية، كما أنه يتسبب في حوادث السيارات.
وفي بعض الحالات كما أشاهد في العيادة قد يهدد هذا الاضطراب مستقبل الشاب أو الفتاة؛ حيث إنه قد يؤثر في تحصيلهم العلمي بشكل كبير ويحد من طموحاتهم التعليمية أو نجاحهم واستمراريتهم في أعمالهم.
وبسبب هذا الاضطراب لا يحصل الكثير من المصابين على نوم كافٍ خلال أيام الأسبوع؛ لذلك يعوضون هذا النقص في عطلة نهاية الأسبوع بالنوم حتى ساعة متأخرة من النهار مما يزيد المشكلة؛ حيث إن الساعة الحيوية في جسم المصاب بهذه الصورة تتعود النوم حتى ساعة متأخرة من النهار والاستيقاظ بالليل، وهذا يدخل المصاب في حلقة مفرغة.
ويجبر بعض الآباء أبناءهم المصابين بهذا الاضطراب على الذهاب إلى غرفة النوم مبكرًا، ولكن هذا لا يحل المشكلة حيث يبقى المصاب مستيقظًا في فراشه لساعات طويلة دون القدرة على النوم.
كيف يمكن مساعدة المصاب؟
لهذا الاضطراب علاج مجدي في كثير من الحالات ولكن نجاح العلاج يتطلب ثلاثة أمور:
1- الالتزام التام بنظام العلاج.
2- العزيمة القوية لدى المصاب.
3- تعاون الأهل والأصدقاء مع المصاب.
العلاج بالضوء:
كما ذكرنا سابقًا فإن الضوء هو العامل الأساس في تحديد الساعة الحيوية في الجسم لذلك يطلب من المصاب التعرض لضوء قوي عند الاستيقاظ لمدة ساعة كل يوم، وهذا لا يعني البقاء تحت الشمس ولكن الجلوس إلى جانب نافذة قريبة من شروق الشمس أو استخدام ضوء صناعي قوي يعتبر أساسا للعلاج، وهذا مدعوم بأبحاث علمية كثيرة كما يمكن للمصاب الاستفادة من وقته بالمذاكرة أو القراءة خلال التعرض للضوء، في المقابل ننصح المصابين بأن تكون الإضاءة خافتة ومريحة قبل وقت النوم بساعة أو ساعتين.
الالتزام بمواعيد النوم والاستيقاظ:
وهذا أصعب ما يواجهنا في علاج المصابين؛ حيث من المهم الالتزام بمواعيد نوم واستيقاظ ثابتة، ونحن نجد أن بعض المصابين يلتزم بالنظام خلال أيام الأسبوع ولكنه يعود للسهر في عطلة نهاية الأسبوع بسبب الالتزامات الاجتماعية، أو الرغبة في السهر وقضاء وقت ممتع مع الأصدقاء مما يسبب فشل البرنامج العلاجي.
تعديل السلوكيات:
من المهم أن يلتزم المصاب بروتين ثابت من حيث مواعيد الأكل والرياضة، كما يجب الاسترخاء قبل وقت النوم بساعة أو ساعتين، والحد من الأنشطة التي تنشط وتثير المخ قبل النوم بساعة مثل العمل على الكمبيوتر أو الحديث في الهاتف أو ألعاب الفيديو، كما يجب إبعاد جهاز التلفزيون من غرفة المصاب.
الغفوات النهارية:
يعوض الكثير من المصابين نقص نوم الليل بغفوات طويلة في النهار، وهذا يزيد المشكلة ويسبب عدم القدرة على النوم بالليل، فإن كان ولابد من الغفوة فيجب ألا تزيد على نصف ساعة، وهذا يتطلب عزيمة المصاب وتعاون الأهل.
المنبهات:
يجب عدم الإكثار من المنبهات بجميع أنواعها وعدم تناول أي منها بعد الظهر؛ لأن مفعولها قد يستمر حتى الليل ويسبب عدم القدرة على النوم ليلا.
تعديل وقت النوم:
من الصعوبات التي تواجه المصاب كيفية تعديل وقت النوم في بداية العلاج، ونحن نعلم أنه لا يمكن إجبار المصاب على النوم مبكرًا عند بدء العلاج؛ حيث إن التأثير يحتاج إلى بعض الوقت، لذلك ننصح أهل المصاب في بداية العلاج بأن يتركوا لابنهم الحرية بأن ينام ليلا عند شعوره بالنوم، ولكن لا بد من إيقاظه صباحًا في وقت ثابت بغض النظر عن عدد ساعات النوم التي قضاها، وبعد ذلك محاولة تقديم وقت النوم ليليًا من 10 إلى 15 دقيقة كل ليلة حتى يصبح وقت النوم مناسبًا لالتزامات المصاب النهارية، بحيث يحصل على عدد ساعات نوم كافية ومن ثم الانتظام في الأمور العلاجية التي ذكرت أعلاه للمحافظة على انتظام مواعيد النوم والاستيقاظ.
مراحل النوم
هناك خمس مراحل للنوم، أربع منها لا تتحرك فيهما العين بسرعة (non-REM) وواحدة تتحرك فيها العين بسرعة (REM)، وقد يصاحب حركة العين السريعة تغيرات فسيولوجية واسعة النطاق، مثل تسارع التنفس وزيادة نشاط المخ وحركة العين والاسترخاء العضلي، والشخص يحلم في مرحة حركة العين السريعة بسبب زيادة نشاط المخ وشلل العضلات الإرادية.
مرحلة الاستيقاظ (قبل المرحلة الأولى):
يشار لمرحلة الاستيقاظ أنها راحة أثناء كامل الوعي، ففي هذه المرحلة يستعد الجسم للنوم.. فجميع الناس ينامون وعضلاتهم متوترة وعيونهم تتحرك بعصبية، ثم عندما يبدأ الشخص بالنعاس يبدأ الجسم بالتباطؤ والعضلات تبدأ بالتراخي وحركة العينين تبطأ بشكل كبير.
المرحلة الأولى
و تسمى هذه المرحلة بمرحلة الخمول، خصوصا إذا كان الشخص سيكمل نومه، وقد أظهرت الدراسات أن النشاط يقل بنسبة 50% بالانتقال من مرحلة الاستيقاظ إلى المرحلة الأولى، ويكون الشخص في هذه المرحلة مغمض العينين، وقد يشعر الشخص أنه غير نائم وقد تستغرق هذه الفترة من 5 إلى 10 دقائق.
المرحلة الثانية
وهي مرحلة النوم الخفيف، دقات القلب تتباطأ ودرجة حرارة الجسم تقل والجسم يستعد للدخول لمرحلة النوم العميق.
المرحلة الثالثة والرابعة
وهما مرحلتا النوم العميق، والمرحلة الرابعة أكثر عمقا من الثالثة.
مراحل الـ (non-REM):
وهي من المرحلة الأولى إلى الرابعة، وتستغرق في مجملها من 90 إلى 120 دقيقة، كل مرحلة تستغرق من 5 إلى 15 دقيقة، وللعلم فإن المرحلتين الثانية والثالثة تتكرران قبل الدخول في الـ (REM)، فتكون السلسلة كالآتي: مرحلة الاستيقاظ، المرحلة 1، المرحلة 2، المرحلة 3، المرحلة 4، المرحلة 3، المرحلة 2.
المرحلة الخامسة
تتميز هذه المرحلة عن المراحل السابقة بأن بها تغيرات فسيولوجية، خصوصا حركة العين السريعة. ففي حالات النوم العادية (الأشخاص الغير مصابين بأمراض نوم ) يلاحظ تسارع دقات قلوبهم والتنفس، بينما تبدأ الأصابع والأقدام والوجه بالحركة، وفي هذه المرحلة تحدث الأحلام بسبب زيادة نشاط المخ، ولكن يحدث في هذه المرحلة شللا لعضلات الجسم الإرادية بما فيها عضلات الذقن والرقبة.
وقد تستغرق المراحل الخمس 100 دقيقة لإتمام دورة كاملة (أي أن المرحلة الخامسة تستمر لحدود 10 دقائق)، وأي دورة تليها تكون أطول من سابقتها حيث تكون الزيادة في المرحلة الخامسة، فمن الممكن أن يكمل الشخص 5 دورات في ليلة واحدة.
نصائح هامة لنوم صحي
- الذهاب إلى النوم والاستيقاظ في مواعيد محددة وثابتة من أهم مقومات عادات النوم السليم الصحي.
- الجسم يحتاج إلى الاسترخاء لمدة ساعة على الأقل بعد بذل أي مجهود عقلي أو عضلي وقبل الذهاب إلى النوم، فالقرار المفاجئ بالنوم لا يعنى بالضرورة أن الجسم مستعد للاستغراق في النوم.
- اللجوء إلى النوم خلال النهار عادة ما يفقد الجسم قدرته على استعادة نشاطه بشكل سليم.
- النوم في أثناء النهار يسبب الأرق وفقدان القدرة على التركيز، بل وقد يسبب بعض المتاعب الجسدية.
- القيام ببعض التمارين الخفيفة والمتركزة على جزء واحد من الجسم كتمارين أصابع القدم مثلا يركز المجهود على جزء بسيط من الجسم، ويرخي باقي أجزاء الجسم مما يساعد على استرخائه.
- الاستحمام بماء دافئ قبل النوم يساعد على استرخاء الجسم وإزالة الضغوط عنه.
- من المهم عدم الذهاب إلى السرير بمعدة خاوية تماما، فمحاولة النوم مع الإحساس بالجوع تطير النوم من الجفون، وتناول وجبة خفيفة ككوب من الحليب الدافئ مع قطعة من البسكويت أو شرب الأعشاب كالنعناع أو البابونج الدافئ يساعد على الاسترخاء.
- وعلى النقيض مما ذكرنا، فإن تناول وجبات دسمة قبل الذهاب إلى النوم مباشرة يمكن أن يؤدي إلى ارتباك النوم بسبب عدم هضم الطعام جيدا؛ فالطعام الدسم يثير إفراز أحماض المعدة، مما يؤدي إلى الشعور بحرقة في المعدة بعد الاستلقاء وبالتالي عدم القدرة على النوم.
- قبل الخلود إلى النوم يجب إلقاء كل المشاكل والأفكار التي تشغل البال خارج غرفة النوم، فالتفكير المستمر في حل القضايا والمشاكل اليومية يجعل العقل في حاله نشطة، وبالتالي يفقده القدرة على الاسترخاء.
- هدوء المكان وسكينة الأجواء المحيطة من أهم مقومات النوم السليم.
- في حال عدم القدرة على النوم لمدة تتجاوز 20 دقيقة، ابتعد عن السرير لفترة ثم كرر المحاولة مرة أخرى.
- الأنوار والأضواء الساطعة تحفز المخ على الاستيقاظ لذا يجب اجتنابها قدر الإمكان.
- قراءة كتاب أو قصة ليست مشوقة تبعث الملل في النفس تساعد على النوم، لكن قراءة شيء محبب ومشوق يزيد من يقظة المخ، ويدعوه للتركيز والتفكير، وبالتالي يطير النوم.
- عدم مشاهدة التلفزيون أثناء محاولة الخلود إلى النوم.
0 comments: